بسم الله الرحمان الرحيم والصلات والسلام على أشرف المرسلين, وعلى آله وصحبه أجمعين, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.أما بعد:
ان الحياة تستمد قيمتها,وقداستها من مبدأ الإيمان بالله تعالى,وذالك باعتبارها الحقيقة الأولى من الوجود,ولكونها مصدرا لتلك الحقائق كلها.
وان كان الإيمان بالله مطلوبا لذاته باعتباره الحقيقة العليا,إلا أنه يطلب أيضا يحدثه من آثار ايجابية في الحياة العملية للإنسان,إذ هو يصبغ الحياة كلها بصبغته,ويضفي عليها من حلاوته ما لا تناله أبدا بدونه,وذالك هو مصداق قوله تعالى:(فمن اتبع هداي,فلا يضل ,وليشقى,ومن أعرض عن ذكري,فان له معيشة ضنكا...).(طه/123),والله تعالى لما شرع للإنسان على رأس الدين الإيمان به ,فانه لم يفعل ذالك عن حاجة الإنسان,ولكنه شرعه لطفا به ورحمة,كي يعرف الحق في ذاته,ثم كي ينتفع بت في حياته العملية,والإنسان لما يؤمن بالله استجابة لأمره فانه ينبغي أن يفعل ذالك بغرض الاستجابة للدعوة كقصد أول,وله أن يتبع هذا القصد الأصلي بقصد تحصيل الفضيلة المتأتية من معرفة الحق,ثم بقصد ابتغاء الخير العملي,الذي يترتب على الإيمان بالله,فتلك كلها مقاصد مشروعة في ميزان الإيمان.
وإذا كان الإيمان بالله,يثمر في الحياة العملية صلاحا على النحو الذي ذكرنا,فان العلاقة بين الإيمان وبين صلاح الحياة,تغدو أن تكون علاقة تلازم بين الطرفين,بحيث يكون الملزوم,وهو الإيمان مفضيا إلى تحقيق اللازم,وهو صلاح الحياة,وهو ما يوفر الأرضية لتنمية الإيمان في النفوس.
وقد كان هذا المنهج في الدعوة إلى الله نبويا,حيث درج الأنبياء في دعوتهم أقوامهم إلى الإيمان بالله على,أن يبسطوا حياة المؤمنين,فيما يسودها من السعادة,وحياة الكافرين فيما يسودها من الشقاء,حملا لهم على ابتغاء السعادة,وتحاشي الشقاء عن طريق الإيمان بالله,وفي هذا المعنى تندرج القصص القرآنية,التي تهتم بعرض حياة الأمم,وما أدى إليه الإيمان فيها من فلاح في مقابل , ما أدى إليه الكفر من بوار ,وفي هذا المعنى أيضا , يندرج الخطاب القرآني في تذكيره الناس ,بما أثرت به حياتهم من الخير لما انتقلوا من الكفر إلى الإيمان, وتحذيره إياهم من ضنك المعيشة , إن هم أعرضوا عن الله وذالك في مثل قوله تعالى :(واذكروا إن أنتم قليل مستضعفون في الأرض , تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم , وأيدكم بنصره , ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون ) , ( الأنفال|26) .
وإذا كان هذا المنهج في الدعوة إلى الله منهجا عاما , يصلح لكل الأوضاع والأزمان , فإننا نحسب أنه في الظروف والأوضاع الراهنة , هو أكثر صلاحا وفاعلية في التعريف بالله لمن لا يعرفه , وفي الدفع إلى إحكام الصلة به لمن عرفه ,ولكن اعترى الفتور تلك الصلة وآلت عراها إلى الإرتخاء , وذالك لأسباب مختلفة ما يجري في هذا العصر من موجة إلحادية عاتية ,قامت به فيما قامت من المبررات على اعتبار , أهمها , أن الإيمان بالله تعالى من شأنه , أن يعطل طاقات الإنسان عن العمل والإنتاج , كما يعطله عن البحث العلمي الحقيقي , الذي يؤدي إلى ذالك وهو ما أطلق في العبارة الشهيرة : ( الدين أفيون الشعوب ) مع الإستشهاد في ذالك بما نشأ من حياة التمدن الرغيدة القائمة على غياب الإيمان بالله , وهو ما يغري العقول بالإعتقادات , أن العيش الرغيد في حياة الناس ليس في حدوثه علاقة سببية بالإيمان , إن لم يكن الإيمان سببا عكسيا في ذالك , وهذه فتنه لا يمكن , أن تقاوم إلا بمنهج مضاد , يبرهن على أن رغادة العيش إنما هي رهينة الإيمان بالله تعالى .
ومن جانب آخر هو ما آل إليه المسلمين من ضعف وضنك وهوان في حياتهم العملية ,وهو من شأنه , أن يوقع في نفوس بعض الناس منهم , أن الإيمان بالله الذي يزعمون أنهم متحققون به , لم يغن عنهم في ميزان المنفعة العملية شيئا , مقارنا ذالك بغيرهم ممن لا يؤمنون بالله من الأمم , التي تعيش حياة الرفاه والغلبة , وهذه فتنة شديدة تغري بالإنسلاخ من الإيمان بالله , أو على الأقل بالتحلل من الروابط الواصلة بينه , وبين مضمار الحياة العامة والإبقاء على الصلة الروحية الخاصة كشأن شخصي لا علاقة له بالحياة الإجتماعية .